الدكتور فكري حسن يكتب: وداعا محمد البهي عيسوي عميد الجيولوجيين وأسد الصحراء

منذ 23 ساعات
الدكتور فكري حسن يكتب: وداعا محمد البهي عيسوي عميد الجيولوجيين وأسد الصحراء

الدكتور البهي عيسوي (23 أغسطس 1934 – 30 ديسمبر 2024) كان شخصية بارزة في مجال الجيولوجيا في مصر، حيث قضى حياته استكشاف صحاري مصر القاحلة بحثاً عن ثرواتها الجيولوجية. وقد اشتهر بروحه المغامرة والإصرار على استكشاف الأماكن النائية.

ومن الصعب أن نتخيل أي جيولوجي واحد يضاهي مدى عمله الميداني في تلك المناطق النائية. عركته الصحراء فأصبح أسداً لا يهاب الصعاب ولا يثنيه شيء طالما وجد خيطاً يهتدي به إلى ما تخفيه كثبان الرمال وما تنم عنه شواهد المعادن في قمم الجبال أو الصخور في قيعان الوديان.

كان ساخراً، ضحوكاً، صريحاً—تحرر من أوهام المدينة ونفاقها. كان أول من اكتشف منخفض توشكى كمفيض وأول من عارض استخدامه في الزراعة. اكتشف فوسفات أبو طرطور ولكنه حذر من إهدار الأموال في استخراجه، ولم يبالغ في تقدير ثروات مصر المعدنية، مثل الذهب، أو البترول، أو مخزونها من المياه الجوفية حتى لا يساهم في بيع الأوهام. اكتشف خام الحديد في الواحات البحرية والكاولين في كلابشة، وعمل على حلول لزيادة حصيلة مصر من المياه في مواجهة مشروع سد النهضة وزيادة الرقعة الزراعية، وحذر من تأثير تغير المناخ على ارتفاع مستوى سطح البحر مما يهدد الدلتا. كما ساهم في استكشاف بيئة إنسان العصر الحجري وما طرأ على مصر من تغيرات مناخية، وكان عضواً في مجموعة عمل إنقاذ آثار النوبة، ومقبرة نفرتاري، وتمثال أبو الهول، والأوزيريون بسوهاج.

كان البهي حر الفكر وقوي الإرادة، لا تمل من الجلوس إلى حديثه الذي تتخلله ضحكاته الساخرة. أضاف إلى خبراته العملية التي اجتنتها من ترحاله في جميع أنحاء صحاري مصر تعليماً أكاديمياً متيناً، وحصل على الدكتوراه في 1968 ليشرف بعدها على ما يزيد على 60 رسالة جامعية، وينشر ما يزيد على 150 بحثاً عن جيولوجيا مصر والسودان جنوباً حتى دارفور، وصحاري ليبيا غرباً. استحق من خلالها الحصول على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الجيولوجية عام 1973، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1976.

كان البهي من أبناء المساحة الجيولوجية العريقة ليصبح في 1982 رئيس الإدارة المركزية للمساحة الجيولوجية. كما كان عضواً بالعديد من لجان وزارة الصناعة، والبترول والثروة المعدنية، وأكاديمية البحث العلمي، والهيئة العامة للتصنيع، وهيئة البترول، وهيئة المساحة الجيولوجية، وهيئة الاستشعار عن بعد، وهيئة المفاعل النووي، والمجلس الأعلى للآثار، والمجلس الاستشاري الرئاسي لعلماء وخبراء مصر. كما عمل أستاذ جيولوجيا بجامعات عين شمس، أسوان، المنوفية، بنها خلال الفترة من 1980 حتى 1988، وبمتحف النرويج في أوسلو 1969-1971، وأستاذاً زائراً بجامعة دالاس، تكساس، أمريكا 1971-1972، ومستشاراً لناسا (NASA) من 1983 إلى 1990.

نشر في 2012 كتابه “خمسون عاماً من الغوص في مصر” (دار الثقافة الجديدة)، سجل فيه نظرته الثاقبة من خلال صولاته وجولاته في الصحراء التي كانت عشقه الأثير منذ 1955. كما يبرز الكتاب أن البهي عيسوي كان أيضاً مهموماً بالشأن المصري، وتحدث بجرأته المعهودة عن المفاسد التي سبقت ثورة 25 يناير، مؤكداً على ضرورة الحد من الزيادة السكانية المفرطة، وإعادة ترميم خط التعليم، ووضع المناهج التي تعتمد على التفكير والنقد، وترسخ لفكر الفهم والوعي، وإعلاء قيمة العقل، ونشر الثقافة للجميع.

Fekrihassan43@gmail.com


شارك