د. حسام عبدالله يكتب: نظرة نقدية لمشروع قانون المسئولية القانونية للأطباء في مصر

منذ 9 ساعات
د. حسام عبدالله يكتب: نظرة نقدية لمشروع قانون المسئولية القانونية للأطباء في مصر

تعتمد مشروع المسئولية القانونية للأطباء في مصر على فهم خاطئ يرى العلاقة بين الطبيب والمريض على أنها صراع دائم. الهدف من القانون هو حماية حقوق الجانبين، لكن تطبيقه يمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية، حيث يشجع على رفع الشكاوى بدون تحديد واضح للأخطاء الطبية. يُقترح زيادة عدد الأطباء، تحسين ظروف العمل، زيادة الإنفاق الحكومي، تعزيز ثقافة تشريح الجثث، وتطوير قوانين عادلة.

القانون يعكس شعورًا متزايدًا لدى الأطباء بأنهم مستهدفون، وكأن الهدف هو معاقبتهم وضبط سلوكهم بالقوة. يحدث هذا وسط تصورات شعبية عن “جشع الأطباء” واعتقاد بأنهم يجنون أرباحًا طائلة، رغم أن معظمهم يعمل في ظروف مادية شاقة، حيث يضطرون للعمل في أكثر من مكان لتأمين أساسيات المعيشة.

 مشاكل القانون ومخاوف الأطباء

القانون به خلط كبير بين ما هو مدني وما هو جنائي، و يفتقر إلى تعريفات واضحة للأخطاء الطبية، ما أثار قلقًا من إمكانية سجن الأطباء بسبب مضاعفات محتملة (وهو اجراء نادر الحدوث في كل دول العالم – ولا يحدث الا في حالات الجرائم الجنائية). وعلى الرغم من تعديل النص ليقتصر الحبس على الأخطاء الجسيمة، إلا أن الغموض لا يزال يكتنف معايير تحديد الخطأ الجسيم، مع ترك القرار للجنة عليا. لكن القلق يبقى قائمًا حول مصير الطبيب أثناء انتظار القرار، حيث قد يواجه خطر الحبس بسبب ممارسته المهنية.

المثير للدهشة أن هذا القانون لم يكن نتيجة مطالب شعبية أو حركة منظمة من المرضى، مما يثير تساؤلات حول الفلسفة التي تقف خلفه. بدلًا من ذلك، أثار القانون غضبًا واسعًا بين الأطباء، ودفع الكثيرين للتفكير في الهجرة أو ترك المهنة.

 الوضع الطبي في مصر: نقص الأطباء وضعف الموارد

تعاني مصر من نقص حاد في عدد الأطباء مقارنة بعدد السكان، ما يمثل تحديًا رئيسيًا للرعاية الصحية. وفقًا لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يونيو 2023، بلغ عدد الأطباء العاملين عام 2021 نحو 133,880 طبيبًا، وهو ما يعادل 1.26 طبيب لكل 1,000 مواطن. للمقارنة، تصل النسبة إلى 2.5 طبيب لكل 1,000 مواطن في السعودية، و2.6 في الأردن، و7.7 في قطر. أما في الدول المتقدمة، تصل النسبة إلى 5.5 في النمسا، و4.3 في ألمانيا، و3.2 في المملكة المتحدة، بينما يبلغ المتوسط العالمي 1.7 طبيب لكل 1,000 مواطن. ورغم أن مصر تتفوق على الهند (1 طبيب لكل 1000 مواطن)، إلا أن النقص الشديد في الأطباء يضع ضغطًا هائلًا على المتاحين منهم، مما يؤدي إلى تدهور جودة الرعاية الصحية وصعوبة الوصول إليها

 ضعف الإنفاق على الرعاية الصحية

الإنفاق الصحي في مصر منخفض للغاية، حيث يبلغ متوسط الإنفاق السنوي على الفرد حوالي 180 دولارًا، مقارنة بـ 12,555 دولارًا في الولايات المتحدة، و8,693 دولارًا في النمسا، و6,207 دولارات في كندا. حتى دول ذات إنفاق أقل مثل الأردن تنفق 299 دولارًا للفرد، فيما تنفق السعودية 1,147 دولارًا، ولبنان 663 دولارًا.

يتحمل المواطنون المصريون 63% من تكاليف الرعاية الصحية من جيوبهم الخاصة، مقارنة بـ 20% فقط في المملكة المتحدة، حيث تتحمل الحكومة الجزء الأكبر من التكاليف. هذا يفرض عبئًا ماليًا ثقيلًا على الأسر المصرية ويبرز الحاجة إلى زيادة الاستثمار الحكومي في القطاع الصحي.

 (لمزيد من المعلومات انظر الجدول والرسم المرافق)

الطب الدفاعي وارتفاع التكاليف

القانون الجديد سوف يدفع نحو انتشار “الطب الدفاعي”، حيث يطلب الأطباء فحوصات وإجراءات إضافية أو غير ضرورية لتجنب المساءلة القانونية. في الولايات المتحدة، يؤدي الطب الدفاعي إلى رفع تكاليف الرعاية الصحية بشكل كبير. إذا تبنت مصر هذا النموذج، ستزداد التكاليف دون تحسين جوهري في جودة الرعاية.

فالأطباء في مصر غالبًا ما يعتمدون على الخبرة الإكلينيكية والحد الأدنى من الفحوصات لتخفيف التكاليف. لكن البيئة القانونية العدائية قد تُجبرهم على التركيز على حماية أنفسهم،  مما يرفع تكاليف العلاج على المرضى.

 القانون الجديد يدفع الأطباء نحو التأمين لتجنب تحمل تكاليف الغرامات أو التعويضات شخصيًا. وهو عبء مالي اضافي، ويؤدي إلى زيادة تكلفة الرعاية الصحية على المرضى، إما عبر ارتفاع الأسعار في القطاع الخاص أو تقليص الاستثمار في البنية التحتية او الأجهزة لدفع تكاليف التأمين في المستشفيات العامة

 التوازن بين المحاسبة والدعم

المحاسبة ضرورية لتحسين الممارسات الطبية، والنظام القانوني المصري الحالي المدني والجنائي فيه ما يكفي لمعاقبة الإهمال الجسيم . ومع ذلك، فإن رفض المجتمع تشريح الجثث يعوق التحقيقات في الأخطاء الطبية. حيث انه في حالات كثيرة، لا يمكن تحديد أسباب الوفاة بدقة بدون التشريح. لذلك، تعزيز دور الطب الشرعي وتغيير الثقافة المجتمعية تجاه تشريح الجثث أمران ضروريان.

إن العمل على تحسين الجودة و الأداء في أي مهنة يعتمد بشكل كبير على قدرة تلك المهنة على ممارسة النقد و النقد الذاتي والبحث والتوثيق المستمر للأخطاء والحوادث. كما يعتمد على مساهمة المستخدمين والعملاء في تقديم الشكاوى البنّاءة، وممارسة النقد وتقديم المشورة حول كيفية تحسين الجودة. لكي يحدث هذا يجب ان يعمل النظام الطبي في اطار بيئة تتسم بالأمن والآمان بيئة تسعي لتطوير الجهاز الطبي وتشجيع التعليم المستمر لكل ما هو جديد وللاستفادة من كل  الاخطاء وخلق البروتوكولات التي تمنع من تكرارها

الاحتياجات الملحة للإصلاح

تحقيق التوازن بين مصلحة المريض والطبيب يتطلب بيئة آمنة تدعم اتخاذ القرارات الطبية دون خوف. يجب أن تكون الأولوية لتحسين النظام الصحي من خلال:

يشير المرسل إلى مشكلة في مشروع المسؤولية القانونية للأطباء في مصر، حيث يعتبر أن هذا المشروع يعتمد على فهم خاطئ للعلاقة بين الطبيب والمريض كصراع، مما يمكن أن يضر بالجانبين. ومن الحلول المقترحة: زيادة عدد الأطباء، تحسين ظروف العمل، زيادة الإنفاق الحكومي، تعزيز ثقافة تشريح الجثث، وتطوير قوانين عادلة.

تأهيل المزيد من الكوادر الطبية لتلبية احتياجات السكان وتقليل الضغط على الأطباء الحاليين.

يعتبر مشروع المسؤولية القانونية للأطباء في مصر مبنيًا على فلسفة خاطئة تعتبر العلاقة بين الطبيب والمريض كصراع دائم. يُظهر القانون هدف حماية حقوق الطرفين، لكن التطبيق العملي يمكن أن يضر بكلاهما. فيجب تحفيز زيادة عدد الأطباء، وتحسين ظروف العمل، وزيادة الإنفاق الحكومي، وتعزيز ثقافة تشريح الجثث، وتطوير قوانين عادلة.

رفع الرواتب وتحسين بيئة العمل لجذب الأطباء وتشجيعهم على البقاء في مصر.

يُعتبر مشروع المسؤولية القانونية للأطباء في مصر مُبني على فلسفة خاطئة تصوّر العلاقة بين الطبيب والمريض كصراع دائم. يهدف هذا القانون إلى حماية حقوق الطرفين، لكن في التنفيذ العملي، قد يسبب ضررًا لهما، حيث يشجع على تقديم الشكاوى ضد الأطباء دون تحديد واضح للأخطاء الطبية والمضاعفات المحتملة. الحلول المقترحة تشمل زيادة عدد الأطباء، تحسين ظروف العمل، زيادة الإنفاق الحكومي، تعزيز ثقافة تشريح الجثث، وتطوير قوانين عادلة.

تخصيص ميزانية أكبر للرعاية الصحية لتخفيف العبء عن الأفراد.

مشروع المسؤولية القانونية للأطباء في مصر يعتبر قائم على فلسفة خاطئة تجعل العلاقة بين الطبيب والمريض على أنها صراع دائم، وبالرغم من أن الهدف من هذا القانون هو حماية حقوق الطرفين، إلا أن تطبيقه يمكن أن يسبب ضررًا على الجانبين، حيث يشجع على تقديم الشكاوى ضد الأطباء دون تعريف واضح للأخطاء الطبية والمضاعفات المحتملة. من الضروري زيادة عدد الأطباء، وتحسين ظروف العمل وزيادة الإنفاق الحكومي، وتعزيز ثقافة تشريح الجثث، وتطوير قوانين عادلة.

تغيير الموقف المجتمعي تجاه تشريح الجثث للتحقيق في أسباب الوفاة وتحسين دقة المحاسبة في الأخطاء الطبية.

تقوم فلسفة قانونية في مصر على فكرة خاطئة بالنسبة للعلاقة بين الأطباء والمرضى، وتؤكد على أهمية زيادة عدد الأطباء وتحسين ظروف العمل وزيادة الإنفاق الحكومي وتعزيز ثقافة تشريح الجثث وتطوير قوانين عادلة.

وضع قوانين واضحة تحدد الأخطاء الطبية بموضوعية، مع نظام تعويض يمول من الدولة وليس من الأطباء وحدهم.

الخلاصة

القانون الجديد يعكس مناخًا معاديًا للأطباء ويهدد مستقبل المهنة في مصر. بدلًا من التركيز على العقوبات، يجب أن تسعى الحكومة إلى تحسين جودة الرعاية الصحية عبر الاستثمار في التدريب، وزيادة التمويل، وتعزيز الثقة بين الأطباء والمرضى. وكذا فإن التعاون بين الحكومة، الأطباء، والمجتمع ضروري لمعالجة هذه الأزمات. الاستثمار في البنية التحتية، التدريب، والثقة هو السبيل لتحقيق نظام صحي شامل وفعّال يخدم الجميع.


شارك