الذكاء الاصطناعي في ساحات المعارك كيف تحوّلت الخوارزميات إلى وسيلة للإغتيال

لقد انتقل الذكاء الاصطناعي من كونه أداة دعم أو معرفة إلى أن يصبح القوة المحركة للرغبات القتالية. فبينما تبدو الآلات التي تعمل في الخلف هادئة، فإنها تحمل في طياتها قدرة فتاكة تتمثل في خوارزميات تتعامل مع البيانات والإحداثيات بدقة متناهية.
اعتمد الاحتلال الإسرائيلي سابقًا على شبكة من العملاء واستراتيجية الردع التقليدي، لكنه في السنوات الأخيرة دخل مرحلة جديدة من الحرب، حيث أضحى الذكاء الاصطناعي سلاحًا قاتلًا يُدار من خلف الشاشات، مما أتاح له اصطياد قادة المقاومة بصمت ودقة لا مثيل لهما.
طوّر الاحتلال نظامًا يُعرف بـ “جوسبل” بالتعاون مع خدمات مايكروسوفت أزور، وهو نظام يتيح توليد قوائم أهداف لحظية يمكن ضربها خلال دقائق، دون الحاجة لتدخل بشري مباشر.
تحول من التنصت إلى عمليات الاغتيال
لم تكتفِ إسرائيل بوسائلها الاستخباراتية التقليدية مثل التنصت أو التتبع الميداني. بل طوّرت أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك الأفراد، وتوقع تحركاتهم، وتقديم توصيات لعمليات اغتيال في توقيتات “مثالية”.
تستطيع أجهزة الأمن الإسرائيلية الآن جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات من مصادر مختلفة، مثل اتصالات الهواتف وصور كاميرات المراقبة، ونشاط الهواتف المحمولة حتى في وضع الطيران، بالإضافة إلى المنشورات والمحادثات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يتم إدخال كل هذه البيانات في أنظمة خوارزمية معقدة، تقوم بتقييم مستوى التهديد الذي يشكله كل فرد، وتصدر توصيات باستهدافهم في فترة زمنية قد لا تتجاوز بضع دقائق.
في السنوات الأخيرة، شهدنا طفرة في استخدام التكنولوجيا لتنفيذ عمليات اغتيال صامتة وفعّالة. لم يعد الاحتلال الإسرائيلي بحاجة إلى وجود عملاء ميدانيين، بل أصبح يعتمد على مزيج من الذكاء الاصطناعي، والطائرات بدون طيار، والهجمات السيبرانية، وأنظمة التعقب الرقمي.
كان هناك استهداف لعناصر عسكرية وعلماء نوويين، ومهندسين مختصين في دول مثل فلسطين وإيران وسوريا ولبنان واليمن، وغالبًا ما تمت هذه العمليات دون أدلة مباشرة تدين المنفذ. تتم العمليات بدقة عبر التحكم عن بُعد بواسطة الأقمار الصناعية، حيث يتم استخدام التكنولوجيا الحديثة التي توفرها دولة الاحتلال بمساعدة الشركات العملاقة في التكنولوجيا وأجهزة الاستخبارات العالمية، لاستهداف الشخص المطلوب بضربة جوية دقيقة يتم تنفيذها بواسطة الطائرات بدون طيار بعد تأكيد حراري عبر كاميرات الاستطلاع.
المقاومة في غزة تتفوق على تكنولوجيا الاحتلال بوسائل مبتكرة
نجحت الفصائل المسلحة في غزة مؤخرًا في تقليص استخدام التكنولوجيا في صفوفها، مما صعّب على دولة الاحتلال عملية اغتيال قادتها، حيث أصبحت معظم عمليات الاغتيال تتم عن طريق الصدفة.
استطاعت حركات المقاومة التأقلم مع الأوضاع الراهنة، مدركة أن الشركات التكنولوجية والأجهزة الاستخباراتية العالمية تستخدم كأدوات لصالح الاحتلال. لذلك، قامت بحظر استخدام الأجهزة المحمولة من قبل القادة، وتغيير المركبات ونمط الحركة، واعتمدت على “الممرات المظلمة” بعيدًا عن الرصد الجوي، مع تنفيذ أساليب مبتكرة عديدة.
على الرغم من الدمار الهائل وحرب الإبادة الجماعية التي يخوضها جيش الاحتلال وهدم المباني والمنشآت، إلا أنه، مع كل ما يمتلكه من تكنولوجيا متطورة، عاجز عن الوصول إلى قيادات حركة المقاومة، إلا في حالات نادرة بسبب الصدفة أو بعض الأخطاء في التواصل بينهم.